وقفات في شهر الطاعات
نبذة :
رسالة مختصرة وجهتها لكل مسلم ومسلمة، ضمنتها وقفات متنوعة، أسأله عز وجل أن يبارك فيها،
وأن ينفع بها ويعفو عن الخطأ والزلل، وأسأل الله تعالى التوفيق والسداد والتوفيق والرشاد، والإخلاص في القول والعمل...
نص المطوية :
أختر الملف المناسب للحفظ
نبذة :
رسالة مختصرة وجهتها لكل مسلم ومسلمة، ضمنتها وقفات متنوعة، أسأله عز وجل أن يبارك فيها،
وأن ينفع بها ويعفو عن الخطأ والزلل، وأسأل الله تعالى التوفيق والسداد والتوفيق والرشاد، والإخلاص في القول والعمل...
نص المطوية :
بسم الله الرحمن الرحيم
وقفات في شهر الطاعات
الحمد لله الذي أراد بنا اليسر وبلغنا هذا الشهر، ونسأله في ليلة القدر أن يتجاوز عنا كل خطأ ووزر، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بيده الخير وإليه الأمر، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الإمام البدر رفيع القدر، وبعد:
فهذه رسالة مختصرة وجهتها لكل مسلم ومسلمة، ضمنتها وقفات متنوعة، أسأله عز وجل أن يبارك فيها، وأن ينفع بها ويعفو عن الخطأ والزلل، وأسأل الله تعالى التوفيق والسداد والتوفيق والرشاد، والإخلاص في القول والعمل، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
الوقفة الأولى: استقبال رمضان:
إن المسلم يستقبل رمضان استقبال الأرض العطشى للمطر، واستقبال المريض للاستشفاء بالدواء، واستقبال الأم لحبيبها الغائب المنتظر، فعليه إذاً أن لا يفرط في هذا الموسم العظيم من مواسم الطاعات، وأن يسأل الله عز وجل أن يبلغه هذا الشهر الكريم بموفور الصحة والعافية لينشط للصيام والقيام وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أهل هلال رمضان قال: «اللهم أهله علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله» [قال الألباني صحيح بمجموع طرقه]، ولا تنس أن تشكر الله إذ بلغك شهر رمضان وأنت في صحة جيدة، وبشر أحبابك بمجيء شهر رمضان...
وكان السلف على هذا، يتباشرون بقدومه، فيفرحون بموسم الخيرات، وتنزيل الرحمات، واعلم أنه يجب عليك العلم والفقه بأحكام رمضان لتعبد الله في هذا الشهر على علم فإنه لا يقرر بجهل الفرائض المفروضة على الصائم، فينبغي عليك تعلم مسائل الصيام وأحكامه ليصح صومك ويتقبل عملك واستقبل رمضان وأنت تفتح صفحة بيضاء عازما على ترك الآثام والسيئات، والتوبة الصادقة من جميع الذنوب والخطيئات، فهذا شهر التوبة، قال الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سورة النور: 31].
الوقفة الثانية: استغلال رمضان:
اعلم أن خير استغلال لرمضان يبدأ من إخلاص نية الصيام لله تعالى، فإن الإخلاص سبب لمعونة الله وتوفيقه، قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- : "وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته في ذلك يكون توفيقه سبحانه وتعالى وإعانته"، وقد أمرنا المولى عز وجل بإخلاص العمل له وحده دون ما سواه، فقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [سورة البينة: 5]، وعليك أن تستغل رمضان بالطاعات والعبادات فإن دقائقه وساعاته عظيمة وأيامه ولياليه جليلة، وعن أجر الصائم عظيم لا يعلمه إلا الله عز و جل: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به» [رواه البخاري]؛ فالصيام يشفع للعبد يوم القيامة حتى يدخل الجنة، إنه يغفر جميع الذنوب ما ظهر منها وما بطن، وفي الجنة باب يقال له: الريان لا يدخله إلا الصائمون، وإن دعاء الصائم يستجاب في رمضان، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من رائحة المسك، فإن أدركت ما أعده الله للصائمين من الثواب العظيم فشمر ساعد الجد لاستغلال رمضان والإكثار من أنواع العبادة: من صلاة وذكر ودعاء وصدقة، فإن حبيبك صلى الله عليه وسلم كان يخص شهر رمضان من العبادة بما لا يخص غيره من الشهور الأخرى، فإن لك في رسول الله قدوة وأسوة والله تعالى يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [سورة الأحزاب: 21]، فتزود من أنواع الطاعات واغتنم بركة أيامه ولياليه بإطعام الطعام وتفطير الصوَّام ومساعدة الفقراء والمساكين بالصدقة والإحسان، وإحياء ليلة القدر بالقيام وتلاوة القرآن.
الوقفة الثالثة: الأعمال الصالحة في رمضان:
اعلم أخي أنه من الأعمال الصالحة التي تتأكد وتجب عليك في رمضان:
1- الصوم:فإذا صمت يا عبد الله فليصم سمعك وبصرك ولسانك وجميع جوارحك، قال صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري]، فإن هذه المغفرة والثواب الجزيل لا تكون لمن امتنع عن الطعام والشراب فقط، وإنما كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» [رواه البخاري]؛ فلا يكن أيها الحبيب يوم صومك ويوم فطرك سواء، فالصوم جُنَّة كما قال صلى الله عليه وسلم : «الصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم» [رواه البخاري].
2- القيام: يسن قيام الليل جماعة في رمضان، وهي صلاة التراويح، فإن القيام في رمضان إيمانا واحتسابا يتحصل به مغفرة الذنوب كلها، أما قال حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم: «من قام رمضان، إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري]؟، ولن تبلغ هذه المنزلة وتكتب من القائمين حتى تكمل صلاة التراويح مع الإمام لقوله صلى الله عليه وسلم: «من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة» [رواه الترمذي وصححه الألباني].
3- الصدقة: اعلم هداك الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أجود ما يكون في رمضان، كان أجود من الريح المرسلة، ومن الصدقة إطعام الطعام وتفطير الصائم.
4- قراءة القرآن: اعلم أخي الحبيب أنه يسن لك الإكثار من تلاوة القرآن في شهر القرآن، كما قال عز وجل: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [سورة البقرة: 185]، و اعلم هديت للخير أن جبريل عليه السلام كان يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل يوم في رمضان، كما أن السلف كانوا يقدمون تلاوة القرآن على كل عبادة.
5- الاعتكاف: فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر في رمضان، فلما كان العام الذي قبض فيه، اعتكف عشرين يوما، وفي الاعتكاف تفرغا لطاعة الله عز وجل والبعد عن شؤون الدنيا، فالمعتكف يشتغل بذكر الله من قراءة قرآن وذكر.
6- العمرة في رمضان: واعلم رعاك الله أن مما يتأكد استحبابه في رمضان العمرة فيه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «عمرة في رمضان حجة» [رواه البخاري]، أو قال: «عمرة في رمضان تقضي حجة معي» [رواه البخاري].
7- تحري ليلة القدر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى ليلة القدر، ويأمر أصحابه بتحريها وكان يوقظ أهله في ليالي العشر رجاء أن يدركوا ليلة القدر، وهي في العشر الأواخر من رمضان وهي في الوتر من لياليه أحرى، قال صلى الله عليه و سلم: «تحروا ليلة القدر في الوتر، من العشر الأواخر من رمضان» [رواه البخاري].
الوقفة الرابعة: حِكَم وفوائد في الصيام:
اعلم أن من حكم وفوائد الصيام ضبط النفس والسيطرة عليها وترويض النفس على فعل الطاعات وترك الشهوات لتتقرب إلى رب السماوات لتنال رضاه والفوز بكرامته، والصيام من أسباب التقوى لامتثال أمره بالصيام وترك الشراب والطعام، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة البقرة: 183]، ومن حكم الصيام أن الغني يعرف حاجة أخيه الفقير، فيعرف بها قدر نعمة الله عليه بالغنى، فتجود نفسه بالصدقة والإحسان كما أنه يعود الإنسان على الصبر والتحمل والجلد، مما يعطي العاصي فرصة على ترك المعاصي، والابتعاد عنها، وذلك بما يحدث من رقة في قلبه ولين لذكر الله عز وجل فيتحصل بذلك محبة الطاعات وبغض المعاصي فيصحح الإنسان به مفاهيمه وسلوكه في الحياة، وبه تقوى الإرادة، وتسمو الأخلاق الرفيعة، وتطمئن النفس وينتظم سير الحياة وتنضبط المواعيد، وبه تقمع الشهوة وتلجم، قال صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء» [رواه البخاري].
الوقفة الخامسة: آداب ومسنونات الصيام:
إن للصيام سننا وآدابا كثيرة، إذا عرفتها وتأدبت بها فزت بإكمال هذا الركن العظيم من أركان الإسلام، وحصَّلت فوائد الصيام وفضائله التي وردت في الكتاب والسنة، فإليك بعض السنن والآداب، وعليك تحصيل ما غاب من هذه السنن والآداب من السنة والكتاب:
1- تعجيل الفطر: بادر إلى الفطر إذا تحققت من الغروب بسماع الأذان، أو غياب الشمس وذلك لحديث / سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» [رواه البخاري]، وكان من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه يعجل الإفطار، ويعجل الصلاة كما في حديث مالك بن عامر وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما، فإن أفطرت فأفطر على رطب، فإن لم يكن رطب فتمر، فإن لم تجد فحسوات من ماء، فعن أنس رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتميرات، فإن لم تكن تميرات، حسا حسوات من ماء» [رواه الترمذي وصححه الألباني].
2- الدعاء عند الإفطار: فلتكن لك دعوة صادقة عند فطرك في كل يوم من رمضان، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أفطر قال: «ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله» [رواه أبو داود وحسنه الألباني].
3- تأخير السحور: احرص هداك الله على السحور ولو بجرعة من ماء، ففيه بركة وموافقة للسنة ومخالفة لأهل الكتاب، قال صلى الله عليه وسلم: «تسحروا، فإن في السحور بركة» [رواه البخاري ومسلم]، وقال صلى الله عليه وسلم: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب، أكلة السحر» [رواه مسلم].
4- كف اللسان والجوارح عن المحارم: فكُف لسانك عما لا خير فيه من الكلام، وكُف جوارحك وبدنك عن سائر الشهوات والمحرمات، فيجب على الصائم أن يصوم بعينه فلا ينظر إلى مالا يحل، وبسمعه فلا يسمع مالا يحل، وبلسانه فلا يكون فاحشا ولا شتَّاما ولا مغتابا فهي حرام مطلقا، وهي في رمضان أشد حرمة، قال صلى الله عليه وسلم: «الصيام جنة، فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه، فليقل إني صائم» [رواه البخاري].
5- تفطير الصائم: حث حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم على تفطير الصائمين فقال: «من فطر صائما كان له مثل أجرهم من غير أن ينقص من أجورهم شيئا» [رواه ابن ماجة وصححه الألباني]، وقد وردت معنا من ضمن الأعمال الصالحة في رمضان.
الوقفة السادسة: كيف نودِّع رمضان:
عليك أن تودع رمضان بتقوى الله الذي أمرك بالسبق إلى الخيرات، والمداومة على الطاعات، والتوبة من السيئات، والسعي لرفع الدرجات، وكرمك على المخلوقات، قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [سورة آل عمران: 133]، وقال: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [سورة الحجر: 99]، وقال: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سورة النور: 31]، فاغتنم الحياة قبل الموت، والعمل قبل الفوت، واربح الدنيا قبل الآخرة، والشباب قبل الهرم، والصحة قبل السقم، واعلم أن الربح في الإيمان وفي العمل الصالح، وفي التواصي بالحق، والتواصي بالصبر يقول الله تعالى: {وَالْعَصْرِ ﴿١﴾ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴿٢﴾ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [سورة العصر]، والرابحون هم الذين فازوا بالمطلوب، ونجوا من المرهوب، وهم الذين طهروا القلوب، وستروا العيوب، وابتعدوا عن الذنوب، وهم الذين حفظوا أعمارهم، وحفظوا أعمالهم، وحفظوا جوارحهم، وأحبوا لقاء الله فأحب الله لقاءهم، وهم الذين عرفوا الأوقات الشريفة فاغتنموها.
ملاحظات ومخالفات يجب تجنبها:
1- جعل الليل نهارا والنهار ليلا.
2- النوم عن بعض الصلوات المكتوبة.
3- الإسراف في المأكل والمشرب.
4- التلثم والعصبية الزائدة أثناء قيادة السيارة.
5- إضاعة الأوقات.
6- تبكير السحور والنوم عن صلاة الفجر.
7- قيادة السيارة بسرعة جنونية قبيل موعد الإفطار.
8- عدم تأدية صلاة التراويح كاملة.
9- افتراش الأرصفة واجتماع الشباب على معصية الله.
10- الاجتماع مع زملاء العمل وقت الدوام وتجريح الصيام بالغيبة والنميمة.
11- انشغال المرأة غالب وقتها بالطبخ.
رحم الله كاتبها وأسكنه فسيح جناته هذا والله يحفظكم ويرعاكم منقول مع خالص التحية وأطيب الامنيات.
-بتصرف يسير-
كتبه المهندس/ سلام ناصر العصيدان
رحمه الله
جمعية إحياء التراث الإسلامي
وقفات في شهر الطاعات
الحمد لله الذي أراد بنا اليسر وبلغنا هذا الشهر، ونسأله في ليلة القدر أن يتجاوز عنا كل خطأ ووزر، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بيده الخير وإليه الأمر، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الإمام البدر رفيع القدر، وبعد:
فهذه رسالة مختصرة وجهتها لكل مسلم ومسلمة، ضمنتها وقفات متنوعة، أسأله عز وجل أن يبارك فيها، وأن ينفع بها ويعفو عن الخطأ والزلل، وأسأل الله تعالى التوفيق والسداد والتوفيق والرشاد، والإخلاص في القول والعمل، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
الوقفة الأولى: استقبال رمضان:
إن المسلم يستقبل رمضان استقبال الأرض العطشى للمطر، واستقبال المريض للاستشفاء بالدواء، واستقبال الأم لحبيبها الغائب المنتظر، فعليه إذاً أن لا يفرط في هذا الموسم العظيم من مواسم الطاعات، وأن يسأل الله عز وجل أن يبلغه هذا الشهر الكريم بموفور الصحة والعافية لينشط للصيام والقيام وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أهل هلال رمضان قال: «اللهم أهله علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله» [قال الألباني صحيح بمجموع طرقه]، ولا تنس أن تشكر الله إذ بلغك شهر رمضان وأنت في صحة جيدة، وبشر أحبابك بمجيء شهر رمضان...
وكان السلف على هذا، يتباشرون بقدومه، فيفرحون بموسم الخيرات، وتنزيل الرحمات، واعلم أنه يجب عليك العلم والفقه بأحكام رمضان لتعبد الله في هذا الشهر على علم فإنه لا يقرر بجهل الفرائض المفروضة على الصائم، فينبغي عليك تعلم مسائل الصيام وأحكامه ليصح صومك ويتقبل عملك واستقبل رمضان وأنت تفتح صفحة بيضاء عازما على ترك الآثام والسيئات، والتوبة الصادقة من جميع الذنوب والخطيئات، فهذا شهر التوبة، قال الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سورة النور: 31].
الوقفة الثانية: استغلال رمضان:
اعلم أن خير استغلال لرمضان يبدأ من إخلاص نية الصيام لله تعالى، فإن الإخلاص سبب لمعونة الله وتوفيقه، قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- : "وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته في ذلك يكون توفيقه سبحانه وتعالى وإعانته"، وقد أمرنا المولى عز وجل بإخلاص العمل له وحده دون ما سواه، فقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [سورة البينة: 5]، وعليك أن تستغل رمضان بالطاعات والعبادات فإن دقائقه وساعاته عظيمة وأيامه ولياليه جليلة، وعن أجر الصائم عظيم لا يعلمه إلا الله عز و جل: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به» [رواه البخاري]؛ فالصيام يشفع للعبد يوم القيامة حتى يدخل الجنة، إنه يغفر جميع الذنوب ما ظهر منها وما بطن، وفي الجنة باب يقال له: الريان لا يدخله إلا الصائمون، وإن دعاء الصائم يستجاب في رمضان، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من رائحة المسك، فإن أدركت ما أعده الله للصائمين من الثواب العظيم فشمر ساعد الجد لاستغلال رمضان والإكثار من أنواع العبادة: من صلاة وذكر ودعاء وصدقة، فإن حبيبك صلى الله عليه وسلم كان يخص شهر رمضان من العبادة بما لا يخص غيره من الشهور الأخرى، فإن لك في رسول الله قدوة وأسوة والله تعالى يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [سورة الأحزاب: 21]، فتزود من أنواع الطاعات واغتنم بركة أيامه ولياليه بإطعام الطعام وتفطير الصوَّام ومساعدة الفقراء والمساكين بالصدقة والإحسان، وإحياء ليلة القدر بالقيام وتلاوة القرآن.
الوقفة الثالثة: الأعمال الصالحة في رمضان:
اعلم أخي أنه من الأعمال الصالحة التي تتأكد وتجب عليك في رمضان:
1- الصوم:فإذا صمت يا عبد الله فليصم سمعك وبصرك ولسانك وجميع جوارحك، قال صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري]، فإن هذه المغفرة والثواب الجزيل لا تكون لمن امتنع عن الطعام والشراب فقط، وإنما كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» [رواه البخاري]؛ فلا يكن أيها الحبيب يوم صومك ويوم فطرك سواء، فالصوم جُنَّة كما قال صلى الله عليه وسلم : «الصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم» [رواه البخاري].
2- القيام: يسن قيام الليل جماعة في رمضان، وهي صلاة التراويح، فإن القيام في رمضان إيمانا واحتسابا يتحصل به مغفرة الذنوب كلها، أما قال حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم: «من قام رمضان، إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري]؟، ولن تبلغ هذه المنزلة وتكتب من القائمين حتى تكمل صلاة التراويح مع الإمام لقوله صلى الله عليه وسلم: «من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة» [رواه الترمذي وصححه الألباني].
3- الصدقة: اعلم هداك الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أجود ما يكون في رمضان، كان أجود من الريح المرسلة، ومن الصدقة إطعام الطعام وتفطير الصائم.
4- قراءة القرآن: اعلم أخي الحبيب أنه يسن لك الإكثار من تلاوة القرآن في شهر القرآن، كما قال عز وجل: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [سورة البقرة: 185]، و اعلم هديت للخير أن جبريل عليه السلام كان يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل يوم في رمضان، كما أن السلف كانوا يقدمون تلاوة القرآن على كل عبادة.
5- الاعتكاف: فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر في رمضان، فلما كان العام الذي قبض فيه، اعتكف عشرين يوما، وفي الاعتكاف تفرغا لطاعة الله عز وجل والبعد عن شؤون الدنيا، فالمعتكف يشتغل بذكر الله من قراءة قرآن وذكر.
6- العمرة في رمضان: واعلم رعاك الله أن مما يتأكد استحبابه في رمضان العمرة فيه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «عمرة في رمضان حجة» [رواه البخاري]، أو قال: «عمرة في رمضان تقضي حجة معي» [رواه البخاري].
7- تحري ليلة القدر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى ليلة القدر، ويأمر أصحابه بتحريها وكان يوقظ أهله في ليالي العشر رجاء أن يدركوا ليلة القدر، وهي في العشر الأواخر من رمضان وهي في الوتر من لياليه أحرى، قال صلى الله عليه و سلم: «تحروا ليلة القدر في الوتر، من العشر الأواخر من رمضان» [رواه البخاري].
الوقفة الرابعة: حِكَم وفوائد في الصيام:
اعلم أن من حكم وفوائد الصيام ضبط النفس والسيطرة عليها وترويض النفس على فعل الطاعات وترك الشهوات لتتقرب إلى رب السماوات لتنال رضاه والفوز بكرامته، والصيام من أسباب التقوى لامتثال أمره بالصيام وترك الشراب والطعام، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة البقرة: 183]، ومن حكم الصيام أن الغني يعرف حاجة أخيه الفقير، فيعرف بها قدر نعمة الله عليه بالغنى، فتجود نفسه بالصدقة والإحسان كما أنه يعود الإنسان على الصبر والتحمل والجلد، مما يعطي العاصي فرصة على ترك المعاصي، والابتعاد عنها، وذلك بما يحدث من رقة في قلبه ولين لذكر الله عز وجل فيتحصل بذلك محبة الطاعات وبغض المعاصي فيصحح الإنسان به مفاهيمه وسلوكه في الحياة، وبه تقوى الإرادة، وتسمو الأخلاق الرفيعة، وتطمئن النفس وينتظم سير الحياة وتنضبط المواعيد، وبه تقمع الشهوة وتلجم، قال صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء» [رواه البخاري].
الوقفة الخامسة: آداب ومسنونات الصيام:
إن للصيام سننا وآدابا كثيرة، إذا عرفتها وتأدبت بها فزت بإكمال هذا الركن العظيم من أركان الإسلام، وحصَّلت فوائد الصيام وفضائله التي وردت في الكتاب والسنة، فإليك بعض السنن والآداب، وعليك تحصيل ما غاب من هذه السنن والآداب من السنة والكتاب:
1- تعجيل الفطر: بادر إلى الفطر إذا تحققت من الغروب بسماع الأذان، أو غياب الشمس وذلك لحديث / سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» [رواه البخاري]، وكان من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه يعجل الإفطار، ويعجل الصلاة كما في حديث مالك بن عامر وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما، فإن أفطرت فأفطر على رطب، فإن لم يكن رطب فتمر، فإن لم تجد فحسوات من ماء، فعن أنس رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتميرات، فإن لم تكن تميرات، حسا حسوات من ماء» [رواه الترمذي وصححه الألباني].
2- الدعاء عند الإفطار: فلتكن لك دعوة صادقة عند فطرك في كل يوم من رمضان، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أفطر قال: «ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله» [رواه أبو داود وحسنه الألباني].
3- تأخير السحور: احرص هداك الله على السحور ولو بجرعة من ماء، ففيه بركة وموافقة للسنة ومخالفة لأهل الكتاب، قال صلى الله عليه وسلم: «تسحروا، فإن في السحور بركة» [رواه البخاري ومسلم]، وقال صلى الله عليه وسلم: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب، أكلة السحر» [رواه مسلم].
4- كف اللسان والجوارح عن المحارم: فكُف لسانك عما لا خير فيه من الكلام، وكُف جوارحك وبدنك عن سائر الشهوات والمحرمات، فيجب على الصائم أن يصوم بعينه فلا ينظر إلى مالا يحل، وبسمعه فلا يسمع مالا يحل، وبلسانه فلا يكون فاحشا ولا شتَّاما ولا مغتابا فهي حرام مطلقا، وهي في رمضان أشد حرمة، قال صلى الله عليه وسلم: «الصيام جنة، فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه، فليقل إني صائم» [رواه البخاري].
5- تفطير الصائم: حث حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم على تفطير الصائمين فقال: «من فطر صائما كان له مثل أجرهم من غير أن ينقص من أجورهم شيئا» [رواه ابن ماجة وصححه الألباني]، وقد وردت معنا من ضمن الأعمال الصالحة في رمضان.
الوقفة السادسة: كيف نودِّع رمضان:
عليك أن تودع رمضان بتقوى الله الذي أمرك بالسبق إلى الخيرات، والمداومة على الطاعات، والتوبة من السيئات، والسعي لرفع الدرجات، وكرمك على المخلوقات، قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [سورة آل عمران: 133]، وقال: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [سورة الحجر: 99]، وقال: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سورة النور: 31]، فاغتنم الحياة قبل الموت، والعمل قبل الفوت، واربح الدنيا قبل الآخرة، والشباب قبل الهرم، والصحة قبل السقم، واعلم أن الربح في الإيمان وفي العمل الصالح، وفي التواصي بالحق، والتواصي بالصبر يقول الله تعالى: {وَالْعَصْرِ ﴿١﴾ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴿٢﴾ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [سورة العصر]، والرابحون هم الذين فازوا بالمطلوب، ونجوا من المرهوب، وهم الذين طهروا القلوب، وستروا العيوب، وابتعدوا عن الذنوب، وهم الذين حفظوا أعمارهم، وحفظوا أعمالهم، وحفظوا جوارحهم، وأحبوا لقاء الله فأحب الله لقاءهم، وهم الذين عرفوا الأوقات الشريفة فاغتنموها.
ملاحظات ومخالفات يجب تجنبها:
1- جعل الليل نهارا والنهار ليلا.
2- النوم عن بعض الصلوات المكتوبة.
3- الإسراف في المأكل والمشرب.
4- التلثم والعصبية الزائدة أثناء قيادة السيارة.
5- إضاعة الأوقات.
6- تبكير السحور والنوم عن صلاة الفجر.
7- قيادة السيارة بسرعة جنونية قبيل موعد الإفطار.
8- عدم تأدية صلاة التراويح كاملة.
9- افتراش الأرصفة واجتماع الشباب على معصية الله.
10- الاجتماع مع زملاء العمل وقت الدوام وتجريح الصيام بالغيبة والنميمة.
11- انشغال المرأة غالب وقتها بالطبخ.
رحم الله كاتبها وأسكنه فسيح جناته هذا والله يحفظكم ويرعاكم منقول مع خالص التحية وأطيب الامنيات.
-بتصرف يسير-
كتبه المهندس/ سلام ناصر العصيدان
رحمه الله
جمعية إحياء التراث الإسلامي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق